و من الخطوات التی تحرّک نحوها الإمام الصادق (علیه السّلام) فی هذه المرحلة و أسس لها عملیا هی الحضور المحدود فی أجهزة السلطة لغرض الحفاظ على المسیرة الإسلامیة من التحریف و الدفاع عنها عن طریق رصد المعلومات و المخطّطات و المواقف التی یفکّر بها الحکّام بواسطة هذا النشاط لیتسنّى للإمام دفع الأخطار و إحباط المؤامرات. ثم یوفّر هذا النشاط للإمام ردّ المظالم و القیام ببعض الخدمات للمحرومین، و لهذا نجد الإمام (علیه السّلام) یصدر رسالة شفویة لبعض الشیعة تتضمّن توجیهات و تحذیرات للعاملین فی هذا المیدان ردّا على رسالة شیعی یطلب من الإمام توضیحا لهذه المهمّة إذ جاء فیها:
و حاجتی أن تهدی إلیّ من تبصیرک على مداراة هذا السلطان و تدبیر أمری
کحاجتی إلى دعائک لی.
فقال (علیه السّلام) لرسوله: قل له، إحذر أن یعرفک السلطان: بالطعن علیه فی اختیار الکفاة و إن أخطأ فی اختیارهم أو مصافات من یباعد منهم، و إن قربت الاواصر(1) بینک و بینه، فإن الاولى تغریه(2) بک و الاخرى توحشه، و لکن تتوسط فی الحالین، و اکتف بعیب من اصطفوا له و الامساک عن تقریظهم عنده و مخالفة من اقصوا بالتنائی عن تقریبهم. و إذا کدت فتأن فی مکایدتک … إلى أن قال فلا تبلغ بک نصیحة السلطان أن تعادی له حاشیته و خاصّته فإن ذلک لیس من حقّه علیک، و لکن الاقصى لحقه و الأدعى إلیک للسلامة أن تستصلحهم جهدک …(3)
و قد برز هذا النشاط بشکل ملحوظ زمن الإمام الکاظم (علیه السّلام) بینما نجد الإمام الصادق (علیه السّلام) قد حذّر کثیرا و حرّم على شیعته التعاون مع الظالمین و الاشتراک فی أجهزتهم حفاظا على الوجود الإسلامی من الضیاع و التحریف فقد جاء عنه (علیه السّلام) «لا تعنهم- حکّام الجور- على بناء المسجد»(4) و قال لبعض أصحابه: «یا عذافر نبّئت أنک تحامل أبا أیّوب و الربیع فما حالک إذا نودی بک فی اعوان الظلمة؟!».(5)
1) بمعنى العهود.
2) غری بالشیء: أو لع به و لزمه.
3) نزهة الناظر: 114، و مستدرک الوسائل: 12/ 188.
4) وسائل الشیعة: 17/ 180 ح 8 عن تهذیب الأحکام للطوسی.
5) المصدر السابق: 17/ 178 ح 3 عن الکافی.