و فیه أربعة مسائل:
المسألة الأولی: المراد بالقرء(1)
اختلف الفقهاء فی القرء المعتبر فی العدة هل هو الطهر أم الحیض؟
و مذهب الامام جعفر الصادق: أن المراد بالقرء هو الطهر. نقل ذلک عنه صاحب البحر الزخار(2)
و روی ذلک عن: عائشة و أبان بن عثمان و أبیبکر بن عبدالرحمن و الفقهاء السبعة و عمر بن عبدالعزیز و الباقر و الزهری و داود و ابنحزم. و هو روایة عن: زید بن ثابت و ابنعباس و ابنعمر و عطاء و قتادة و الیه ذهب مالک و الشافعی و روایة عن أحمد(3)
الحجة لهم:
1- ما روی عن ابنعمر «أنه طلق امرأته و هی حائض فی عهد رسول الله صلی الله علیه و سلم فسأل عمر رسول الله صلی الله علیه و سلم عن ذلک.
فقال له: مره فلیراجعها ثم لیترکها حتی تطهر تم تحیض ثم تطهر ثم ان شاء أمسک بعد و ان شاء طلق قبل أن یمس فتلک العدة التی أمر الله عز و جل أن تطلق لها النساء»(4)
وجه الدلالة:
أن الرسول صلی الله علیه و سلم ذکر الطهر، ثم بین أن العدة أمر الله أن تطلق لها النساء، فدل ذلک علی: أن القرء المعتبر فی العدة هو الطهر لا الحیض(5)
2- قوله تعالی: «و المطلقات یتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء»(6)
و القرء هو الجمع، و اجتماع الدم فی الرحم انما یکون فی الطهر(7)
و قال بعض الفقهاء ان المراد بالقرء الحیض. روی ذلک عن الخلفاء الأربعة و ابنمسعود و معاذ بن جبل و أبی بن کعب و أنس و طاووس و سعید بن جبیر و عکرمة و النخعی و مجاهد و الثوری و الأوزاعی و اسحاق و غیرهم و الیه ذهب أبوحنیفة و أحمد فی أصح الروایتین(8)
المسألة الثانیة: حکم المعتدة للطلاق اذا انقطع حیضها لعارض غیر معلوم:
اختلف الفقهاء فیمن ابتدأت العدة بالاقراء ثم ارتفع حیضها لغیر عارض معلوم من مرض أو رضاع أو مجاعة و نحول الجسم أو نحو ذلک.
و مذهب الامام جعفر الصادق: أنها لا تتربص بل تعتد بالأشهر من فورها(9)
و روی ذلک عن: سیدنا عمر و الباقر و أحد قولی الناصر(10)
وجه هذا المذهب:
أن الاعتداد بثلاثة أشهر حق الشرع: فان العدة قد تجب شرعا مع
التیقن من براءة الرحم(11)
و قال أبوحنیفة، و الشافعی فی الجدید: انها تبقی فی عدة حتی تحیض و تعتد بالاقراء أو تبلغ سن الیأس فتعتد بثلاثة أشهر.
و قال مالک و أحمد و الشافعی فی القدیم: انها تنتظر تسعة أشهر، فان بان بها حمل فعدتها بوضع الحمل، و ان لم یظهر بها حمل اعتدت بعد ذلک بثلاثة أشهر(12)
المسألة الثالثة: حکم الحیضة التی وقع فیها الطلاق:
اتفق الفقهاء علی: أن الحیضة التی وقع فیها الطلاق لا تحتسب من العدة.(13)
مذهب الامام جعفر الصادق: أن الله سبحانه و تعالی أمر باحصاء العدة محاذرة الاضرار بالتطویل حتی لم یتسامح ببقیة الحیضة لمن طلق فی الحیض لأن تلک المدة زائدة علی الثلاثة أقراء(14)
و روی ذلک عن: الباقر و أحد قولی الناصر(15)
و قال الحسن البصری: تحتسب الحیضة التی وقع فیها الطلاق من العدة(16)
المسألة الرابعة: عدة أم الولد:
مذهب الام جعفر الصادق: أن عدتها اذا أعتقها سیدها أو مات عنها ثلاث حیضات.
نقل ذلک عنه صاحب الروض النصیر(17)
و روی ذلک عن: سیدنا عمر و علی و ابنمسعود و النخعی و الثوری و عطاء و زید بن علی و الحسن بن صالح. و الیه ذهب أبوحنیفة و أصحابه(18)
و الحجة لهم:
القیاس: و هو أن العدة انما وجبت علیها و هی حرة: و لیست بزوجة فتعتد عدة الوفاة، و لا بأمة فتعتد عدة أمة، فوجب أن تستبرئ رحمها بعدة الحرائر(17)
و قال بعض الفقهاء: انها تعتد کالحرة أربعة أشهر و عشر لیال.
روی ذلک عن: عمر بن عبدالعزیز و الحسن و ابنسیرین و ابنالمسیب و سعید بن جبیر و الزهری و الأوزاعی و اسحاق و مجاهد، و الیه ذهب أحمد فی روایة.
و قال بعضهم: انها تعتد بحیضة واحدة.
روی ذلک عن سیدنا عثمان و عائشة و ابنعمر و الشعبی و القاسم بن محمد و عروة و أبیقلابة و مکحول و أبیثور و اللیث و أبیعبید، و الیه ذهب مالک و الشافعی و أحمد فی المشهور من مذهبه.
و قال بعضهم: انها تعتد بشهرین و خمس لیال. روی ذلک عن طاوس و قتادة.
و قال ابنحزم: لا عدة علیها أصلا(19)
1) القرء فی اللغة: یطلق علی الحیض و علی الطهر فهو من الأسماء المشترکة. انظر: المحلی: 10 / 257 – المغنی: 8 / 210 – النهایة: 4 / 32.
2) البحر الزخار: 4 / 210.
3) المصدر السابق – ابنکثیر: 1 / 270 – حلیة العلماء: کتاب العدد – المغنی: 8 / 101 – زادالمعاد: 5 / 106 – الروض النضیر: 4 / 371 – رحمة الأمة: 5 / 191 – الأشراف: 2 / 166 – السنن الکبری (البیهقی): 7 / 451 – المحلی: 10 / 257 – المغنی: 9 / 83.
4) البخاری هامش الفتح: 9 / 276 – مسلم هامش النووی: 10 / 61.
5) المحلی: 10 / 261.
6) سورة البقرة: 228.
7) البحر الزخار: 228.
8) المصدر السابق – القرطبی: 3 / 113 – الهدایة: 2 / 21.
9) البحر الزخار 4 / 212 – الروض النضیر: 4 / 107.
10) المصدران السابقان.
11) المغنی: 9 / 97، 98 – بدایة المجتهد: 2 / 97 – الأشراف: 2 / 166.
12) ینظر المحلی: 10 / 270 – الأشراف: 2 / 166 – السنن الکبری (البیهقی): 7 / 420 – المغنی: 9 / 97 – المنتقی: 4 / 108 – الأم: 5 / 195 – البحر الرائق: 4 / 142 – مختصر الطحاوی: 218 – فتح الباری: 9 / 380 – بدایة المجتهد: 2 / 96 – مغنی المحتاج: 3 / 387 – حلیةالعلماء: 7 / 322 – الکافی فی فقه أهل المدینة: 293 – الأنصاف: 9 / 285.
13) بدایة المجتهد: 2 / 78.
14) الروض النضیر: 4 / 108.
15) المصدر السابق.
16) انظر بدایة المجتهد: 2 / 78 – المغنی: 9 / 85 – المحلی: 10 / 262 – حاشیة ابنعابدین: 2 / 420 – حاشیة الدسوقی: 1 / 172 و 2 / 362 – مجموعة رسائل ابنعابدین: 1 / 114 – مغنی المحتاج: 3 / 306 – کشاف القناع: 5 / 240.
17) الروض النضیر: 3 / 320.
18) المصدر السابق – المغنی: 8 / 140 – الهدایة: 2 / 29.
19) المصادر السابقة – المحلی: 1 / 304 – معالم السنن: 3 / 291 – المنتقی: 4 / 140 – عون المعبود: 2 / 263 – مغنی المحتاج: 3 / 140، تفسیر ابنکثیر: 1 / 285.